صاروخ مجدل شمس- تصعيد أم فرصة لتهدئة التوتر الحدودي؟

المؤلف: صهيب جوهر10.18.2025
صاروخ مجدل شمس- تصعيد أم فرصة لتهدئة التوتر الحدودي؟

إن واقعة سقوط صاروخ على ملعب للأطفال في قرية "مجدل شمس" بالجولان السوري المحتل، قد أثارت جدلاً واسعاً، وأظهرت تحديات جمة على الصعيدين السياسي والميداني. جاء ذلك عقب اتهام إسرائيل لحزب الله بإطلاق هذا الصاروخ من قرية "شبعا" الحدودية. وعلى الرغم من نفي حزب الله القاطع لهذه الاتهامات، وإشارته إلى أن ما حدث كان نتيجة سقوط صاروخ اعتراض للقبة الحديدية على صواريخ قادمة من لبنان.

ما جرى يتجاوز كونه مجرد خطأ صاروخي عابر أو عملية مُدبَّرة. بل يمكن النظر إليه في سياق أوسع، إذ يتزامن مع المفاوضات الجارية في روما بوساطة دولية لوقف الحرب في غزة، وذلك جنباً إلى جنب مع تحضير إسرائيل لمقترح سيُطرح في الاجتماعات التفاوضية مع الولايات المتحدة، وقطر، ومصر.

التداعيات المباشرة لهذه العملية سرعان ما تجلت للمتابعين والمحللين، سواء في لبنان، إسرائيل، أو حتى على الصعيد الإقليمي الأوسع الذي يخشى من تفاقم الأوضاع وانزلاقها إلى مسارات حربية مُهلكة.

بعد حادثة "مجدل شمس"، بدا الموقف الأميركي أكثر تشدداً، حيث رفض أي مسار يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، معتبراً أنه من غير الممكن السيطرة على أي تطور ميداني، وأن هناك مخاوف من تحول الوضع إلى حرب شاملة.

أما في لبنان، فقد ترسخ الانقسام الداخلي المتأصل، وهو امتداد للخلاف العميق حول تأييد أو معارضة فتح جبهة الجنوب دعماً لغزة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. هذا الانقسام طال حتى حلفاء حزب الله أنفسهم، الذين أصبحوا يُصرِّحون بوضوح بضرورة وقف العمليات العسكرية والانخراط في مسارات تفاوضية فورية، تحظى برعاية إقليمية ودولية تجسدت في حركة المبعوثين الأجانب منذ بداية الحرب، وذلك سعياً لدرء التصعيد.

في المقابل، يظهر أيضاً تمايز واضح بين المكونات "الدرزية" في المنطقة، وتحديداً بين الموقف السياسي الذي يمثله دروز لبنان بقيادة وليد جنبلاط، وبين دروز إسرائيل المنخرطين بشكل مباشر في دعم إسرائيل في معركتها في غزة والجنوب، وذلك من خلال شيخ الطائفة موفق طريف.

الضغط المتزايد على وليد جنبلاط، الذي تربطه علاقات واسعة مع دروز إسرائيل والجولان، أثار مخاوف من انقسام مذهبي داخل الطائفة الدرزية. هذا الأمر يزيد الضغط أولاً على جنبلاط كزعيم تاريخي، وثانياً على حزب الله الذي استفاد لسنوات من وحدة القرار الدرزي في لبنان وسوريا لتغطية موقفه السياسي والميداني منذ العام 2006 حتى يومنا هذا.

الأمر الأهم والملفت هو تصريح الحكومة اللبنانية الذي أظهر في بيانه المقتضب حالة من الخوف والوجل من انفلات الأمور جنوباً، وذلك من خلال تأكيدها على رفض استهداف المدنيين والمطالبة بوقف الحرب الدائرة في غزة والجنوب، بعد أكثر من تسعة أشهر من حالة الاطمئنان السياسي والعسكري.

هذا الاطمئنان، الذي كان يثير الشكوك داخلياً، ارتبط أولاً بالتنسيق المستمر بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحزب الله لضبط إيقاع الحرب وعدم توسعها، وثانياً برسائل الطمأنة الأميركية والغربية بعدم السماح بحرب واسعة بين حزب الله وإسرائيل، على الرغم من الرغبة الإسرائيلية العارمة في شن حرب على حزب الله وتوجيه ضربات قاصمة له.

على الجانب الإسرائيلي، فإن اللافت هو أن يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة نتنياهو، استبق عودة نتنياهو من واشنطن بإجراء تقييم للوضع العسكري مع قادة الأجهزة الأمنية، وحدد طبيعة الرد العسكري على حزب الله. هذا يعني تحييد اجتماع مجلس الحرب برئاسة نتنياهو من أي محاولة لنتنياهو للسيطرة على مسار الحرب ونطاقها وطبيعتها، ما يؤكد أن غالانت ملتزم بالقيود الأميركية تجاه لبنان.

السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: "هل ستؤدي ضربة مجدل شمس إلى حرب؟" الجواب المنطقي يبدو بالنفي. لكن المؤكد أن ما حدث سيؤدي إلى ضربة إسرائيلية في العمق اللبناني، قد تكون من بين الضربات الأكثر إيلاماً لحزب الله. إلا أن ذلك يثير سؤالاً أكثر أهمية: "كيف سيتعامل حزب الله مع أي ضربة في العمق؟" مع الأخذ في الاعتبار أن حزب الله ما زال ملتزماً بمبدأ "ضربة مقابل ضربة" في عملياته الميدانية.

على المستوى الأميركي، فقد استقبلت واشنطن نتنياهو منذ أيام باحتفال كبير في الكونغرس، وأكدت له مجدداً رفضها لخيار الحرب مع لبنان لأسباب متعددة. قبيل العملية بساعات، أعاد المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين، خلال مقابلة، تأكيد فكرة الترابط بين الجبهة اللبنانية وجبهة غزة.

وهذا يُعتبر رداً ضمنياً على مساعي إسرائيلية للفصل بين الجبهتين، إما من خلال حل دبلوماسي يسبق وقف الحرب في غزة، وهو مسار يرفضه حزب الله، أو من خلال اقتراح نتنياهو خلال زيارته لواشنطن بشن عملية عسكرية محدودة ضد لبنان لإجباره على التفاوض لوقف إطلاق النار قبل انتهاء الحرب في القطاع.

في المقابل، يبدو أن الموقف الأميركي بعد عملية "مجدل شمس" أصبح أكثر صرامة برفض مسار الحرب الشاملة، معتبراً أنه من المستحيل السيطرة على أي تطور ميداني، وأن هناك مخاطر من تحول الوضع إلى حرب شاملة. وقد تُرجم هذا الموقف عبر اتصال هوكشتاين أمس بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وتعمد البيت الأبيض تسريب تفاصيل المكالمة.

بالإضافة إلى تصريحات هوكشتاين، لا تزال مؤشرات القلق الأميركي قائمة، كما يتضح من قرار بايدن بالسماح ببقاء اللبنانيين الذين انتهت تأشيراتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة للأوضاع المتدهورة بين حزب الله وإسرائيل. ويعتقد الأميركيون أن حادثة "مجدل شمس" تمثل فرصة سانحة لفرض المسار التفاوضي من خلال فصل الساحات وإظهار حالة التوتر المحتملة من الجانب الإسرائيلي.

وفي سياق متصل، برزت زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الموارد البشرية إلى لبنان، وذلك بهدف بحث جميع خيارات إجلاء الرعايا الأميركيين المقيمين في لبنان والاطلاع على الوضع بشكل مباشر في حال تفاقمت الأوضاع. وهذا يشير إلى أن واشنطن ليست على ثقة تامة بما قد يُقدم عليه بنيامين نتنياهو.

على المديين المتوسط والبعيد، تعزز هذه التطورات رواية إسرائيل بأن حزب الله بات يمثل مشكلة أمنية استراتيجية يجب الخوض في تفاصيل إبعاد خطرها عن الحدود، مع تحول الأمر من كونه مجرد أزمة نزوح لأكثر من مئة ألف مستوطن في الشمال، وتحول الخطر بالنسبة لإسرائيل إلى مناطق أخرى، وتحديداً مناطق الجولان المحتل. هنا تتداخل التحديات، إذ أن حل هذا الأمر يرتبط أولاً بانتهاء تداعيات المعركة الرئاسية الأميركية وانعكاساتها على الداخل الإسرائيلي، وكذلك بطبيعة العلاقة بين أي إدارة مستقبلية في واشنطن مع إيران.

من هذا المنطلق، يمكن فهم خطاب كامالا هاريس خلال استقبالها لنتنياهو كمحاولة لاستمالة مشاعر الشباب الأميركي المستاء من موقف بايدن. فقد تم إلغاء الكلمة المشتركة بين بايدن ونتنياهو بعد لقائهما، وتُرك الموقف الرسمي لنائبته المرشحة الرئاسية للإعلان عن هذا الموقف.

لكن المؤكد أن لبنان، كما المنطقة بأسرها، في حالة ترقب لما ستسفر عنه هذه الضغوط. وإذا لم تنجح هذه الضغوط، فإن مؤشرات التصعيد ستكون أكبر، خاصة وأن حادثة "مجدل شمس" ستفتح الباب أمام محاولات نتنياهو للتسلل داخل حالة الفراغ والصراع الممتد من واشنطن إلى الشرق الأوسط.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة